تركيب ونظام عمل الإنسان مشابهة لعمل الحاسوب، لكن طبعا أنظمة البشر معقدة جداً ومتطورة أكثر بكثير من الحاسب، ولا يمكن أو تصح المقارنة، فالحاسب يحتاج للغة خاصة “لغة الآلة” ليفهم ما تريده منه، نظام الإنسان لا يفهم إلا ما يسمى بالأكواد أو الإشارات العصبية، وهو إدخال فكرة للاوعي للشخص بحيث تكون فكرة ثابتة عنده يتعامل من خلالها .
زراعة الأفكار تعد أحد أخطر الأساليب لاختراق العقول والسيطرة عليها، ومن الأمثلة الواضحة التي نشاهدها في عالمنا هو ما تشنه التيارات المتطرفة الإرهابية، في يومنا هذا من حرب نفسية على المجتمعات، للتحكم في مصيرها من خلال زراعة الأفكار في أذهان البعض من الأفراد والتغرير بهم، بشتى الطرق والوسائل لسلبهم حرية التحكم في قراراتهم، دون أن يشعروا.
ولكن كيف يتم زراعة فكرة معينة وما هي الأساس الذي تقوم عليه؟!
أولاً ضع في ذهنك قاعدة مهمة وهي أن جسد الإنسان بني على الحماية، بمعنى أن أي شيء غريب عليه يقوم بمقاومته، على سبيل المثال عندما نقوم بعمل تبرع بالدم لابد من التحقق من فصيلة الدم لضمان التوافق، وكذلك عند زراعة الأعضاء, الحال هو نفسه في العقل حيث اللاوعي للإنسان مليء بالأفكار كالمعتقدات الدينية والعادات والتقاليد والمبادئ وجميع ما تعلمه منذ أن ولد، كل هذه الأفكار عندما تدخل عليها فكرة غريبة ستقاومها إن لم تكن متوافقة مع الأفكار الموجودة سلفا... على سبيل المثال لو أتيت لأحد الأشخاص وحاولت إقناعه بشكل مباشر بأن معتقده الديني خاطئ، ماذا سيحدث غالباً ما ستجد ردة فعل قوية، والسبب أن المعتقد الديني فكرة أساسية وعميقة واغلب أفكاره مرتبطة بهذا المعتقد، بل أن جميع قراراته في الأصل يأخذها على أساسه، فيرى الصواب والخطأ، من خلال هذا المعتقد، وبالتالي بمجرد أن تلقي عليه فكرة أن معتقده خاطئ يجب أن تتوقع ردة فعل قوية لأنك تهدد كيان فكري عميق في ذهنه.. لذا يجب التعامل بشكل سطحي وعدم الدخول في الموضوع مباشرة وإنما تبدأ بالتدرج وخلخلت أفكاره بأسلوب طويل الأمد، دون الدخول في نقاشات، وكأن تقوم كل فترة من الزمن بإخراج أحد الثوابت الصغيرة من عقلة والزج بأخرى مكانها..
ما يحدث من كثير من الجماعات المتطرفة، هو استغلالها لشبكة الانترنت، والتسلل لمواقع يتواجد فيها الشباب والمراهقين بكثرة، مثل مواقع المسابقات والألعاب الالكترونية، ويقومون بالتدرج في التأثير عليهم وبطولة بال، وعدم استعجال.. وخير علاج لصد هذا المحاولات الإرهابية، هو تزويد فتياتنا وأبنائنا بالمعارف، وأن يكونوا على إطلاع بما يحاك لهم وطرق التخطيط للإيقاع بهم.. كم أتمنى أن تقام دورات تثقيفية وتوعوية في المدارس، لبناتنا وأبنائنا في هذا المجال تحديداً...